رأى أنّ الإسلام على رأس لائحة المطلوبين دولياً
فضل الله ينصح دولاً أوروبية معنية بالأزمة اللبنانية ألاّ تقوم بدور الناقل للرسائل الأمريكية
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً دعا فيه لمشروع إسلامي يضمّ السنّة والشيعة ويدافع عن قضايا العرب وأحرار العالم. وجاء في البيان:
إن الإسلام بما يحمله من مفاهيم وأفكار وما يمثّله من إمكانات وطاقات تتمثّل في إمكانات بلدان العالم الإسلامي والعربي والشعوب والحركات الإسلامية، لا يزال في موقع الرصد والمتابعة والملاحقة من بعض الإدارات الغربية التي تصّر على التعامل معه كعدوّ مخيف أو كجار يبعث على القلق، ولا يزال معظمها يتجنّب البحث في أصل المشكلة التي انطلقت من خلال النظرة المتعصبة حيال المسلمين ومن خلال الدعم المتواصل لإسرائيل والإصرار على مصادرة ثروات العالم الإسلامي ومقدراته.
ولذلك، فإننا نعتقد أن الإسلام يتصدّر لائحة المطلوبين دولياً، على الرغم من الكلمات التي تصدر عن هذا المسؤول الغربي أو ذاك، والتي تمتدح الإسلام في الظاهر، لأننا نستمع إلى كلمات أخرى تحمل ما يكفي من الإيحاءات التي تؤكد استهداف الإسلام كدين. وقد صدرت في الأيام الأخيرة مواقف أوروبية تتماهى مع مواقف أمريكية سابقة تحذر من حلم الخلافة الإسلامية الذي يتطلع إلى استقطاب شعوب الأمة كلها تحت هذا اللواء من أندونيسيا إلى نيجيريا... ويضاف إليها ما يتحدث به بعض المسؤولين الأمريكيين عن الحضارة الإسلامية التي تسعى لابتلاع العالم، ولعلّ اللافت أن هذه المواقف تتزامن مع الحديث الأمريكي الصريح عن قيادة العالم، وكأن العالم هو ملك لأمريكا تتصرف به ما تشاء، وتلوح بنذر الحرب لمن يخالف سياسة إدارتها أو من يتطلع نحو استقلال حقيقي لبلاده.
إن سياسة التخويف من الإسلام التي تشترك فيها إدارات أوروبية ـ في هذه الأيام ـ إلى جانب الإدارة الأمريكية تمثّل جزءاً من محاولات التعمية عن الحملة العدوانية التشويهية التي يتعرض لها الإسلام نفسه في مفاهيمه، والتي يتعرض لها المسلمون في بلادهم، إلى كونها خدمة مجانية لإسرائيل في نطاق الحرب العالمية التي تقودها جهات عالمية متعددة ضد العرب والمسلمين، والتي تمثل الفتن المذهبية والطائفية حيثية من حيثيّاتها.
إن تصوير الإسلام كحضارة تحاول اجتياح الحضارات الأخرى، وتصوير المسلمين كحالة عالمية شاذّة، هو افتئاتٌ على الحقيقة وتشويه للواقع، لأن من يعمل لاجتياح العالم في مفاهيمه وقيمه وثرواته وإنسانه، هي الإدارة الأمريكية التي تزعم أنها تشنّ حرباً على الإرهاب في العالم ولا تستهدف في هذه الحرب إلا المسلمين وبلادهم في الوقت الذي تمارس إرهاب الدولة في احتلالها للبلاد الإسلامية وتدعم الإرهاب الصهيوني إلى أبعد الحدود.
ولذلك، فإننا نريد لبعض الدول الأوروبية ألا تلتحق بالسياسة الأمريكية، وخصوصاً في الوقت الذي بدأت الإدارة الأمريكية تدفع فاتورة إخفاقاتها في المنطقة، كما نريد لبعض الإدارات السياسية الغربية المعنية بالمسألة اللبنانية ألا تلعب فقط دور الحامل والناقل للرسائل الأمريكية في المنطقة وفي لبنان، وألا تنخرط في اللعبة الأمريكية لتعتبر خسارة أمريكا في المنطقة خسارة لها، وربحها هو ربح للغرب في معركته ضد الإسلام، لأن ذلك سينعكس عليها وعلى ما تتطلع إليه من دور في قادم المراحل.
وفي المقابل ـ إننا نتوجه ـ إلى المسلمين من سنة وشيعة وفي كل أطيافهم المذهبية أو العرقية لنقول لهم: إذا كانت الدوائر الغربية تقترب من بعضها على الرغم من خلافاتها السياسية وتناقضاتها الفكرية وحتى الدينية وتضارب مصالحها الاقتصادية، فلماذا لا ننطلق من خلال مشروع إسلامي موحّد يلحظ مصلحة الأمة وقضاياها الكبرى وينفتح على قضايا العرب كلهم، ويندفع في اتجاه وحدوي ليتيح الفرصة لمشروع متكامل يمكن أن يعيد للأمة مكانتها بعدما أصبحت على هامش الأمم وبعد ما طمع فيها كل لصوص الأوطان وباتت فريسة لكل الطامعين.
إننا في الوقت الذي نؤكّد ذلك كله، نؤكد أنّ الإسلام الذي ينفتح على دور قيادي للمسلمين في العالم ينفتح على حوار الأديان حتى لا ينطلق المتدينون في صراعات تؤدي إلى مشاكل عالمية، كما ينفتح على حوار الحضارات لتلتقي الحضارات على القواسم المشتركة وتتحاور في القضايا المختلف عليها... إن الإسلام ليس ديناً منعزلاً عن الآخر، وإذا كان ثمة من يتحدث عن استخدام بعض المسلمين للعنف في مواجهة الآخرين، فعليهم دراسة الأسباب السياسية والواقعية لذلك، لا أن يصبوا سهام غضبهم على الإسلام نفسه.